فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم والناس على أمر جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه، فكانوا يسألون عن اليتامى ولم يكن للنساء عدد ولا ذكر، فأنزل الله: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم...} الآية. وكان الرجل يتزوج ما شاء فقال: كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن. فقصرهم على الأربع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشرًا من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية قال: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا أن لا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهن عندكم.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال: كانوا في الجاهلية لا يرزؤن من مال اليتيم شيئًا وهم ينكحون عشرًا من النساء وينكحون نساء آبائهم، فتفقدوا من دينهم شأن النساء.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عن ابن عباس في الآية يقول: فإن خفتم الزنا فانكحوهن يقول: كما خفتم في أموال اليتامى أن لا تقسطوا فيها كذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية يقول: إن تحرجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانًا وتصديقًا فكذلك فتحرجوا من الزنا، وانكحوا النساء نكاحًا طيبًا مثنى وثلاث ورباع.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن إدريس قال أعطاني الأسود بن عبد الرحمن بن الأسود مصحف علقمة فقرأت {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} بالألف، فحدثت به الأعمش فأعجبه، وكان الأعمش لا يكسرها. لا يقرأ {طيب} بمال، وهي في بعض المصاحف بالياء {طيب لكم}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك {ما طاب لكم} قال: ما أحل لكم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن وسعيد بن جبير {ما طاب لكم} قال: ما حل لكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عائشة {ما طاب لكم} يقول: ما أحللت لكم.
قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}.
أخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجة والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر. أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن»- وفي لفظ- «أمسك أربعا وفارق سائرهن».
وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه عن قيس بن الحارث قال: أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «اختر منهن أربعًا وخل سائرهن» ففعلت.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال: قال عمر: من يعلم ما يحل للمملوك من النساء؟ قال رجل: أنا.
امرأتين فسكت.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن الحكم قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في {فإن خفتم أن ألا تعدلوا} الآية يقول إن خفت أن لا تعدل في أربع فثلاث، وإلا فاثنتين، وإلا فواحدة، فإن خفت أن لا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك.
وأخرج ابن جرير عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فإن خفتم ألا تعدلوا} قال في المجامعة والحب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {أو ما ملكت أيمانكم} قال: السراري.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أو ما ملكت أيمانكم} فكانوا في حلال مما ملكت أيمانكم من الإماء كلهن. ثم أنزل الله بعد هذا تحريم نكاح المرأة وأمها، ونكاح ما نكح الآباء والأبناء، وأن يجمع بين الأخت والأخت من الرضاعة، والأم من الرضاعة، والمرأة لها زوج حرم الله ذلك حر من حرةٍ أو أمة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: أن لا تجوروا قال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {ألا تعولوا} قال: أن لا تميلوا.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: أجدر أن لا تميلوا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
إنا تبعنا رسول الله واطرحوا ** قول النبي وعالوا في الموازين

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ألا تعولوا} قال: أن لا تميلوا. ثم قال: أما سمعت قول أبي طالب:
بميزان قسط لا تخيس سعيرة ** ووازن صدق وزنه غير عائل

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي إسحاق الكوفي قال: كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان لا أعول.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرحمن وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {ألا تعولوا} قال: أن لا تميلوا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين وأبي مالك والضحاك. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال: {ذلك أدنى} أن لا يكثر من تعولوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: ذلك أقل لنفقتك. الواحدة أقل من عدد، وجاريتك أهون نفقة من حرة، أهون عليك في العيال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة {ألا تعولوا} قال: أن لا تفتقروا. والله تعالى أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (4):

قوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما حذروا من القول الذي من مدلوله المحاجة عن كثرة النساء؛ كان ربما تعلق به من يبخل عن بعض الحقوق، لاسيما ما يستكثره من الصداق، فأتبعه ما ينفي ذلك، فقال- مخاطبًا للأزواج، لأن السياق لهم، معبرًا بما يصلح للدفع والالتزام المهيئ له: {وآتوا النساء} أي عامة من اليتامى وغيرهن {صدقاتهن}، وقوله مؤكدًا للإيتاء بمصدر من معناه: {نحلة} مؤيد لذلك، لأن معناها: عطية عن طيب نفس؛ قال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه: وأصله- أي النحل: إعطاء الشيء لا يراد به عوض وكذا إن قلنا: معنى النحلة الديانة والملة والشرعة والمذهب، أي آتوهن ذلك ديانة.
ولما وقع الأمر بذلك كان ربما أبى المتخلق بالإسلام قبول ما تسمح به المرأة منه بإبراء أو رد على سبيل الهبة- لظنه أن ذلك لا يجوز أو غير ذلك فقال: {فإن طبن لكم} أي متجاوزات {عن شيء} ووحّد الضمير ليرجع إلى الصداق المفهوم من الصدقات، ولم يقل: منها، لئلا يظن أن الموهوب لا يجوز إلا إن كان صداقًا كاملًا فقال: {منه} أي الصداق {نفسًا} أي عن شهوة صادقة من غير إكراه ولا خديعة {فكلوه} أي تصرفوا فيه بكل تصرف يخصكم {هنيئًا} أي سائغًا صالحًا لذيذًا في عافية بلا مشقة ولا مضرة {مريئًا} أي جيد المغبة بهجا سارًا، لا تنغيص فيه، وربما كان التبعيض ندبًا إلى التعفف عن قبول الكل، لأنه في الغالب لا يكون إلا عن خداع أو ضجر فربما أعقب الندم، وهذا الكلام يدل أيضًا على تخصيص الأحرار دون العبيد، لأنهم لا يملكون ماجعلته النساء لهم ليأكلوه هنيئًا.
قال الأصبهاني: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم أنها لم تطب نفسها، وعن الشعبي أن رجلًا أتى مع امرأته شريحًا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح: رد عليها، فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: {فإن طبن لكم} [النساء: 4] قال: لو طابت نفسها لما رجعت فيه؛ وعنه قال: أقيلها فيما وهبت ولا أقيله، لأنهن يخدعن. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وَءاتُواْ النساء} خطاب لمن؟ فيه قولان:
أحدهما: إن هذا خطاب لأولياء النساء، وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئا، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النافجة، ومعناه أنك تأخذ مهرها إبلًا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه، وقال ابن الأعرابي: النافجة يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته، فنهى الله تعالى عن ذلك، وأمر بدفع الحق إلى أهله، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة.
القول الثاني: أن الخطاب للأزواج.
أمروا بإيتاء النساء مهورهن، وهذا قول: علقمة والنخعي وقتادة واختيار الزجاج، قال لأنه لا ذكر للأولياء ههنا، وما قبل هذا خطاب للناكحين وهم الأزواج. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك، التأويل الذي قلناه. وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساءَ، ونهاهم عن ظلمهنّ والجور عليهن، وعرّفهم سبيلَ النجاة من ظلمهنّ. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صُرِف عنهم إلى غيرهم. فإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}، هم الذين قيل لهم: {وآتوا النساء صدقاتهن} وأن معناه: وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في أوّل [الآية]: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}، ولم يقل: فأنكحوا، فيكون قوله: {وآتوا النساء صدقاتهن}، مصروفًا إلى أنه معنيّ به أولياء النساء دون أزواجهن.
وهذا أمرٌ من الله أزواجَ النساء المدخول بهن والمسمَّى لهن الصداق، أن يؤتوهن صدُقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جانبان مُسْتَضْعَفَان في الجاهلية: اليتيم، والمرأة.
وحقّان مغبون فيهما أصحابهما: مال الأيتام، ومال النساء، فلذلك حرسهما القرآن أشدّ الحراسة فابتدأ بالوصاية بحق مال اليتيم، وثنّى بالوصاية بحقّ المرأة في مال ينجرّ إليها لا محالة، وكان توسّط حكم النكاح بين الوصايتين أحسن مناسبة تهَيّئ لعطف هذا الكلام.
فقوله: {وآتوا النساء} عطف على قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2] والقول في معنى الإيتاء فيه سواء.
وزاده اتّصالًا بالكلام السابق أنّ ما قبله جرى على وجوب القسط في يتامى النساء، فكان ذلك مناسبة الانتقال. اهـ.